عندنا فى مصر بعد ولادة البيبى بشهر تقريبا بتكون التهانى والمباركة والمجاملات خلصت، وعدينا مرحلة (يتربى فى عزكو، ربنا يباركلكو فيه، عقبال ما تخاووه،…) ونبدأ بقى مرحلة جديدة عنوانها (عقبال ما تفرحوا بيه)، وطبعا الفرحة المقصودة هنا هى فرحة الجواز “التى لا تضاهيها فرحة ولا يساويها نجاح هنا فى مصر” .
ومع إن المرحلة دى بيعدى بيها أهل أى مولود جديد، إلا إنها بتطول وتستمر لو المولود ده (بنت). ومع كل احتفال وفى أى مناسبة تطلع العبارة الشهيرة (عقبال ما تفرحوا بيها)، إن شالله حتى فى شم النسيم!!!
ويفضل الوضع كده لحد البنت نفسها ما تكبر شوية وتدخل اعدادى أو بالكتير ثانوى، وتلاقى البنت كل الناس اللى حواليها بيتمنولها الفرحة (اللى هى الجواز) وعاوزين يفرحوا بيها. وتتبرمج البنت على أمنية أهلها وحبايبها (عقبال ما نفرح بيكى، عقبال ما نشوفك فى بيت العدل، عقبال فرحك يا عروسة، عقبال جوازك يا بنتى،…وهكذا).
وتتحول حياة البنت لمجرد سنوات انتظار تحقيق أسمى أهداف الحياة “فى نظرهم” وهو الجواز. ونفس الشئ بالنسبة للأهل، يبقى كل أملهم فى الدنيا انهم يتطمنوا على ولادهم لما يتجوزوا ويطمنوا على بناتهم لما يشوفوهم فى بيت العدل. وكأن هو ده صك الأمان اللى يضمنوا بيه السعادة لبناتهم. لدرجة إن البنت من دول تبقى اجتهدت وتعبت فى دراستها وحققت شهادات عليا لكن لسه محدش اعترف بنجاحها ولا بكيانها، لأنها وبكل بساطة لسه متجوزتش!!!
وهنا بقى نخرج من مشكلة تحطيم معنويات البنت لمشكلة تحطيم نفسيتها. لأن أغلب البنات بيبقوا اتبرمجوا على إن الجواز هو مبتغى الحياة، وهو الوسيلة الوحيدة لتحقيق السعادة، وهو الحل الوحيد علشان المجتمع يعترف بنجاحها…
مقدرش أنكر أهمية وعظم حجم هذا المشروع الاجتماعى، اللى وضعهولنا رب العالمين سكينة ومودة ورحمة.
كلامى هنا مش لتقليل أهميته أو محاولة تهميشه، بالعكس كلامى هنا لمحاولة وضعه فى نصابه الصحيح.
نفترض ان ربنا كاتب لبنت معينة إنها متتجوزش، وعاشت البنت دى فى مجتمع زى اللى انا وصفته سابقا، ازاى حيبقى حال البنت نفسيا لما تعدى بيها السنين وهى لسه متجوزتش؟!
وحتبقى حالتها ازاى مع كل مرة حد بيسألها فيها: لسه مفيش جديد؟!
أو يسألوا أهلها “حتى لو من باب الاطمئنان” : لسه مجالهاش عريس؟!
بنلاقى البنت دخلت فى حالة نفسية سيئة جدا، مع إنها ممكن تحقق لنفسها كيان كبير علميا أو عمليا لكن بيقف قدامها شعورها الدائم بالنقص وإن فيه حاجة مهمة فى حياتها لسه مكملتش.
ده غير قلق أهلها وحزنهم على بنتهم اللى حياتها اتدمرت وانهم خلاص حيموتوا من غير ما يطمنوا عليها. مع إنها ممكن تتجوز واحد يبهدلها ويدمرلها نفسيتها ويكونوا فاكرين انهم ماتوا متطمنين عليها وهى فى حقيقة الأمر كانت أأمن كتير قبل ما تخش بيت العدل المزعوم.
المشكلة يا سادة مش فى الجواز..المشكلة فى نظرة المجتمع ليه ونظرتهم للحياة من غيره، وتقييمهم لوزنه فى حياتنا.
المشكلة اللى بتأثر حتى على كيان الأسرة دى بعد الجواز. لأن ببساطة البنت اللى نشات كده مبيبقاش فيه فى دماغها غير جوزها اللى هو نفسه بيزهق من تركيزها الزايد معاه، وهى كمان بتتعب جدا من تفرغها الذهنى التام ليه.
وبتتحول العلاقة بينهم لعلاقة غير صحية بتسبب كتيييييييييييييير من أمراض الزواج المنتشرة حاليا، من خرس لملل لرتابة لغيرة زائدة لأنانية فى الحب لعدم اهتمام…إلخ.
ومع إن الناس اللى بتفكر وتتكلم من المنطلق ده، دى بتعمل كده “غالبا” عن حب واهتمام إلا إنهم ومن غير ما يشعروا بيتسببوا فى أضرار أكتر مما يتخيلوا، للأهل وللبنت سوا.
الحياة مش واقفة على الجواز، لا هو نهاية المطاف ولا هو قمة هرم السعادة. هو وسيلة اجتماعية راقية أوجدها الله عز وجل لاستمرار البشرية ولخلق نوع من المودة والسكينة بين طرفين، لكن أيضا خلق الله وسائل وطرق أخرى كثيرة لتحقيق السعادة ولإيجاد المودة والحب.
19/12/2013